الاثنين، 11 يونيو 2012

عقوبة الجلد.. مازالت تطبق في المدارس

الجلد في المدارس
الخرطوم: هويدا المكي:

فى هذه الأوقات يستمتع تلاميذ المدارس بقضاء لحظات جميلة بالاجازة السنويه، الا ان هنالك ذكريات تبدو مزعجة عن أوقات الدراسة والمدارس فى ذهنية كثير من الطلاب، فى مقدمتها عقوبة الجلد التى ينالها التلاميذ فى المدارس، حيث مازال «تأديب» التلميذ محل نقاش، فمن حق ادارة المدرسة ان تؤدب التلميذ لكن دون حدوث اذى، وفى الماضى كانت الاسرة السودانية عندما تذهب بأحد ابنائها الى المدرسة تقول لمدير المدرسة «ليكم اللحم ولينا العظم». ومع ذلك يظل التأديب الجسدى محل نقاش، حيث شهدت الأعوام الأخيرة أكثر من «15» قضية متعلقة بعقوبة الجلد، ادت الى اعاقات متفاوتة. وعلى الرغم من أن المادة «29» تنص على الجزاءات المحظورة التي من بينها الجلد، لكن مازال المعلمون يستخدمون اسلوب الجلد.
والعقاب فى التربية ليس أمراً مرفوضاً برمته، ولكن المرفوض وبشكل قطعي هو العنف الموجه ضد الأطفال باسم العقاب التربوي، فتلاميذ المدارس ليسوا مجرمين، وما يرتكبونه من أخطاء هي محاولات لاكتشاف الحياة وفقاً لخبرتهم التى لا تتجاوز سنين أعمارهم اليافعة.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول عقوبة الجلد وتجريم المعلمين، فإن وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم يحيى صالح، قد شدد على انه لن يسمح باعتقال او اقتياد اي معلم لاقسام الشرطة بسبب قضايا جلد التلاميذ.
«الصحافة» التقت بعض المختصين وجاءت آراؤهم متباينة، وتحدث الينا الاستاذ بالمعاش سليمان حسن الذي قال: بالرغم من الجدل الدائر حول مسألة العقوبة الجسدية في المدارس بمراحلها المختلفة، إلا أن التربويين يتفقون على أن استخدام أسلوب الضرب أداة تربوية على التعلم، والعقاب ذو مدى متدرج القسوة، وفى الماضى كان كثير من الاسر عندما يذهبون بأبنائهم الى المدرسة يقولون للمعلم عبارة «ليك اللحم ولينا العظم»، مبيناً أن المعلم سابقاً لم تواجهه اية مشكلات من الاسر فى مسألة ضرب التلميذ، وحتى التلميذ لا يتجرأ على شكوى معلم من معلميه، لكن فى هذه الفترة انتشرت قضايا الضرب، وتساءل سليمان عن الأسباب التى تدفع المعلم لضرب التلميذ لدرجة الاذى، مؤكداً أن هنالك خطأً، لذلك لا بد من توفير أساتذة علم نفس واجتماع بالمدارس، فمن الممكن أن يساهم ذلك فى حل هذه المشكلات، مؤيدا وزير التربية والتعليم في ألا يقتاد المعلم لقسم الشرطة، معللاً ذلك بأن كثيراً من الأسر اتخذتها فرصة لمضايقة المعلم اذا عاقب الطالب وان كانت عقوبة عادية. ويرى سليمان أن من حق المعلم ان يعاقب تلميذه، ولا بد من أسلوب يخشى به التلميذ معلمه لكى توجد مساحة احترام بينهما، فمن المؤكد إذا منع المعلم من أن «يهرش» تلميذه، فمن البديهى أن التلميذ لن يحترم معلمه، وتعم الفوضى بالمدارس، خاصة أن تلميذ اليوم يختلف كثيراً عن الأجيال السابقة.
رئيس المجلس الاستشاري لوزير التربية والتعليم الحسين خليفة الحسن، يرى أن ثقافة العقوبة البدنية بالمرحلة التعليمية مرت بعهدين، عهد ذهبى وهو العهد الذى كان فيه المعلم مؤهلاً، والعهد الثانى هو عهد اليوم، ويقول إن ثقافة العقوبة البدنية فى العهد الذهبى للتعليم كانت سائدة عندما كان المعلم مؤهلاً ومدرباً وملماً بمادة علم النفس التربوى وعلى معرفة تامة بكل أهداف التربية والتعليم، وقال إن الهدف من العقوبة البدنية فى ذلك الوقت أن تكون عقوبة تربوية، وفى بعض الاحيان يطلب من ولاة الأمور المثول امام المدير لتنفيذ العقوبة البدنية على أبنائهم، فكانت هذه العقوبة تطبق بالرضاء والقبول التام من ذوى الشأن، ويمضى قائلاً إن العقوبة لا تنفذ والمعلم فى حالة غضب، بل عندما يكون متوازنا فى عقله غير مضطرب فى وجدانه ومشاعره، حتى تتم بهدوء بالغ، وأحيانا تلاحقها البسمات العذبة مما يدل على عدم انقطاع حبل الود بين المعلم وتلميذه.
وكانت هنالك بدائل للعقوبة الجسدية قبل أن تنفذ هذه العقوبة كالتوبيخ، اللفظ الحسن التأديبى التربوى، وليس اللفظ المتكبر القاسى الذى يمس الأخلاق.
وذكر الخليفة بعض البدائل التربوية، مثل تكليف الطالب بأداء واجب مكثف بعد انقضاء اليوم الدراسى، وحبسه فى الفصل عقاباً له للجرم الذي ارتكبه، وعقوبة الوقوف لفترات طويلة، وأية عقوبات أخرى مناسبة. ولكن إذا صدر من التلميذ ما يمس الأخلاق والمُثل القويمة والتقاليد والدين، ففى هذه الحالة يستدعى ولى أمره للتفاهم مع إدارة المدرسة للاتفاق على العقوبة التى تناسب الجرم الخلقى، وربما تصل العقوبة للفصل من المدرسة نهائياً أو لفترة من الوقت، وهذه هى طبيعة ثقافة العقوبة البدنية فى ذلك العصر الذهبى.
أما ما يحدث اليوم من عقوبة بدنية أعتقد أنه فى أغلب الأحيان يتنافى مع أسس وأهداف التربية، فهي عقوبة طابعها الحقد والغيظ والمعاملات المادية من رسوم مفروضة قسراً عليهم، بالاضافة إلى طبيعة المعلم فى هذا العهد الذى يعاني تدني المسيرة التربوية التعليمية لقلة تحصيل المعلم من المادة التأهيلية والتدريبية، وتقارب العمر بين المعلم وتلميذه.
ويرى الحسين أن يسلك المعلم التوجيه والإرشاد بالاستعانة ببدائل العقوبة البدنية، على أن يتابع مدير المدرسة تنفيذ تلك العقوبة، كما يرى أن تعد ورشة من خبراء التربية وعلم النفس والمجتمع وثلة من الآباء والأمهات، ليتدارسوا ثقافة العقوبة البدنية للوصول لحلول تربوية ترضى كل الأطراف، وأن تلتزم هذه اللجنة التربوية بقانون حقوق الطفل.
والعقوبة البدنية لها سلبيات أكثر من الايجابيات، وربما تقطع الود بين المعلم وتلميذه، وتسبب خللاً تربوياً من الصعب علاجه، وتهتز العلاقة بين المدرسة والأسرة ويختل التوازن التربوى، وربما تؤدى الى فقدان الثقة والحقد الذى ينمو فى وجدان التلميذ ويؤثر على تحصيله الأكاديمي. وتدفع التلميذ للهروب من المدرسة، وربما تسبب الضغينة فى نفس التلميذ وتدفعه إلى ارتكاب جرائم أكبر. ومن الاخطاء التى يرتكبها المعلم تنفيذ العقوبة بين رصفاء التلميذ. وثقافة العقوبة البدنية تتطلب معلماً مؤهلاً مدرباً يحفظ فى نفسه حسن النية، وينأى بنفسه عن الحقد والغبن والغضب من تلميذه، وأن تدخل مادة التربية فى منهج التعليم العام. ويأمل ألا يستعمل المعلم أداة مؤذية عند العقوبة البدنية، وألا يضرب الأعضاء الحساسة فى الجسم.
وقالت الدكتورة فى مجال علم النفس ناهد محمد الحسن، إن العقوبة البدنية تشكل معوقاً أساسياً للسلوك الإنسانى عند الأطفال، إذ أنها تضعف تقدير الذات لديهم، وتقدم نموذجاً عنيفاً لحل المشكلات، وتكرس لمشاعر الخوف، وسلوكيات تجنب العقوبة القائمة على الكذب والهروب، وبالتالى فإن خطورة العقوبة من منظور حماية الطفل أنها تضعف شخصية الطفل وقدرته على ايقاف الاساءة، وتعوق استعانته بآخرين من أسرته لانعدام الحوار والثقة والأمن بينه وبينهم. وأضافت ناهد أن العقوبة من منظور الحماية هى الخطر الأكبر الذى يتهدد سلامة الطفل، كما أنها تؤدي إلى تدني الوعي وتؤثر على قبول الأقران، حيث يجد من تعرض للإساءة صعوبة فى إنشاء علاقات مع الآخرين، ودائماً يبحث عن الاهتمام، ويجد صعوبة فى الاعتماد على الآخرين والثقة بهم، مع شعور سالب بالذات وإغراق فى مشاعر الذنب، ويظن أنه سيئ ويستحق ما حدث له. وقد حدثت حوادث كثيرة خارج وداخل السودان نتيجة للعقوبة البدنية انتهت بأذى جسيم.
وقالت ناهد إن مهنة التعليم فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة فى السودان تعتبر إحدى المهن التى تتزايد معها الضغوط، كما أن التعاطي اليومي المستمر مع الأطفال والمحاولة الدائمة لجعلهم يلتزمون جانب الصواب يعتبر أمراً مرهقاً وشاقاً على الكثيرين، لذلك كان من الضرورى إيضاح وشرح مفهوم وطبيعة الضغوط وكيفية الإفلات منها، كما أن الاطفال انفسهم يتعرضون للضغوط يومياً، إما لظروفهم المعيشية والبيئية والخاصة، أو لطبيعة المدرسة والعملية التعليمية، إذ تشكل المدرسة الجديدة او المرحلة التعليمية الجديدة تحدياً حقيقياً للطفل، كما أن البيئة التعليمية المعادية للطفل التى تمارس العقوبة البدنية، تشكل خطراً نفسياً وشيكاً يتهدد أمان الطفل وسلامته النفسية.

الصحافة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية

الحقوق

محتوى المدونة يتمتع بحقوق كتابها و لا يحق النقل او اعادة النشر الا باذن من ادارة المدونة على الايميل الاتي

اتصل بنا